أكتشف المزيد و استمع لرواية مدينة الملائكة
رواية مدينة الملائكة
اقتربنا كثيراً من تخومها، صرنا على مسيرة ساعات من تلك المدينة الفاضلة، المدينة الوحيدة التي استطاعت الصمود حتى الآن، كل مدينة كنا نقترب منها، كانت تعلن على الفور الإذعان، بل إن الكثيرين كانوا يعلنون استسلامهم قبل حتى أن ترد الرسل إلى أسوارهم.. اقتربنا كثيراً من تحقيق الحلم، حلم تربينا عليه منذ ولدتنا أمهاتنا، أنا لا أذكر أمي جيداً ولا حتى أبي، كل ما أعلمه أني ولدت مقاتلاً في بلاط الأسود
هل تساءلت يوما عما سيحدث إذا علمت موعد وفاتك؟ اعتدل الملك في جلسته، وشرع يقص على بنيته: يحكى أنه كان هناك رجلا فقيها عالما، شديد الإيمان، دخل بلادنا وعرف أسرارنا، وكانت هناك امرأة في غاية الجمال، كان جمالها أخاذا، تقشعر منه العيون والأبدان، فلما رأى الفقية العالم جمال المرأة خاف عليها من الدنيا وآثامها، لم يرد أن يكون جمالها وبالا عليها، وأراد أن ينصحها، فجاء بجمجمة إنسان وعرضها عليها وأخبرها أن تلك هي نهاية كل البشر، قال لها: أترين يا بنيتي كل هذا الجمال الأخاذ الذي حباك الله به؟ إن مآله إلى تلك العظام المخيفة، ومنها إلى التراب، نحن خلقنا منها وإليها نعود. سالت الدموع من عيني الفتاة، وقبلت يد العالم ورحلت، انتقل الرجل بين المدن والأصقاع كعادته يعلم الناس وينصحهم، غاب في رحلته عشرة أعوام، وعندما عاد إلى مدينتنا كانت المرأة الجميلة أشهر غانيات المدينة، وكان لها في كل ليلة عشيق، اشمئز العالم مما سمع عنها، وطلب على الفور لقاءها، ولما دخل عليها، انحنت وركعت وعلى الفور قبلت يديه، خاطبها مستنكرا ماذا فعلت بجسدك يا امرأة؟! ألم أخبرك أن تلك أمانة ومآلها للتراب؟!