المجنون الأول
جاء يمشي هادئًا يتخَيَّل في مشيته، ويرجف بين الخطوة والخطوة كأنه من كِبَره يُشعرك أن الأرض مُدركة١ أنه يمشي فوقها … فما تدري أهو يريد أن يطمئن إلى أن رأسه معه … أم يُخيَّل إليه أن هذا الرأس العظيم قد وضع على جسمه في موضع راية الدولة، فهو يهُزُّه هزَّ الراية …
يرسم مصطفى صادق الرافعي كتابه هذا بريشة الفنان، ويُزيِّن معانيَه بحُلِيِّ البيان، ويلوِّنه بحسن الإيمان، فتتداخل الحدود بين العالم المادي وعالم الإنسان، فلا يدري القارئ أحقيقةٌ ما يقرؤه في هذا الكتاب أم خيال؟! أعقلٌ هو أم جنون؟! حقًّا، لقد أفاد الرافعي بما فاض به خاطرُه، وجاد به فكرُه، وسال به قلمه، فسطَّر مجموعةً رائعة من النثريات، تباينتْ بين فصولٍ ومقالاتٍ وقصص عن مواضيع متنوِّعة، كتبها في ظروفٍ مختلفة وأوقاتٍ متفاوتة، فأخرج لنا في النهاية تحفةً أدبيةً استحقَّتْ أن تُسمَّى بحقٍّ «وَحْي القَلَم».